فصل: ذكر استيلاء زعيم الدولة على مملكة أخيه قرواش

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أسر الملك الرحيم من بغداد إلى خوزستان فلقيه من بها من الجند وأطاعوه وفيهم كرشاسف بن علاء الدولة الذي كان صاحب همذان وكنكور فإنه كان انتقل إلى الملك أبي كاليجار بعد أن استولى ينال على أعماله ولما مات أبو كاليجار سار الملك العزيز ابن الملك جلال الدولة إلى البصرة طمعًا في ملكها فلقيه من بها من الجند وقاتلوه وهزموه فعاد عنها وكان قبل ذلك عند قرواش ثم عند ينال ولما سمع باستقامة الأمور للملك الرحيم انقطع أمله ولما سار الملك الرحيم عن بغداد كثرت الفتن بها ودامت بين أهل باب الأزج والأساكفة وهم السنة فأحرقوا عقارًا كثيرًا‏.‏

وفيها سار سعدي بن أبي الشوك من حلة دبيس بن مزيد إلى إبراهيم ينال بعد أن راسله وتوثق منه وتقرر بينهما أنه كل ما يملكه سعدي مما ليس بيد ينال ونوابه فهو له فسار سعدي إلى الدسكرة وجرى بينه وبين من بها من عسكر بغداد حرب انهزموا فيها منه وملكها وما يليها فسير إليها عسكر ثان من بغداد فقتل مقدمهم وهزمهم وسار من الدسكرة وتوسط تلك الأعمال بالقرب من بعقوبا ونهب أصحابه البلاد وخطبوا لإبراهيم ينال‏.‏

وفيها كان ابتداء الوحشة بين معتمد الدولة قرواش بن المقلد وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل بن المقلد فانضاف قريش بن بدران بن المقلد إلى عمه قرواش وجمع جمعًا وقاتل عمه أبا كامل فظفر ونصر وانهزم أبو كامل ولم يزل قريش يغري قرواشًا بأخيه حتى تأكدت الوحشة وتفاقم الشر بينهما‏.‏

وفيها خطب للأمير أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله بولاية العهد ولقب ذخيرة الدين وولي عهد المسلمين‏.‏

وفيها في رمضان قتل الأمير أقسنقر بهمذان قتله الباطنية لأنه كان كثير الغزو إليهم والقتل فيهم والنهب لأموالهم والتخريب لبلادهم فلما كان الآن قصد إنسانًا من الزهاد ليزوره فوثب عليه جماعة من الإسماعيلية فقتلوه‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله وكان من الصالحين ورواة الحديث وأوصى أن يدفن بجوار أحمد بن حنبل ومولده سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وأبو طالب محمد بن محمد بن غيلان البزاز ومولده سنة سبع وأربعين وثلاثمائة روى عن أبي بكر الشافعي وغيره وتوفي في شوال وهو راوي الأحاديث المعروفة بالغيلانيات التي خرجها الدارقطني له وهي من أعلى الحديث وأحسنه وعبيد الله بن عمر أحمد ابن عثمان أبو القاسم الواعظ المعروف بابن شاهين ومولده سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وفيها كان الغلاء والوباء عامًا في البلاد جميعها بمكة والعراق والموصل والجزيرة والشام ومصر وغيرها من البلاد‏.‏

وفيها قبض بمصر على الوزير فخر الملك صدقة بن يوسف وقتل وكان أول أمره يهوديًا فأسلم واتصل بالدزبري وخدمه بالشام ثم خافه فعاد إلى مصر وخدم الجرجرائي الوزير وأنفق عليه فلما توفي الجرجرائي استوزره المستنصر إلى الآن ثم قتله واستوزر القاضي أبا محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري في ذي القعدة‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

أبي كامل وصلحهما في هذه السنة ظهر الخلف بين معتمد الدولة قرواش وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل ظهورًا آل إلى المحاربة وقد تقدم سبب ذلك‏.‏

فلما اشتد الأمر وفسد الحال فسادًا لا يمكن إصلاحه جمع كل منهما جمعًا لمحاربة صاحبه وسار قرواش في المحرم وعبر دجلة بنواحي بلد وجاءه سليمان بن نصر الدولة بن مروان وأبو الحسن بن عيسكان الحميدي وغيرهما من الأكراد وساروا إلى معلشايا فأخربوا المدينة ونهبوها ونزلوا بالمغيثة وجاء أبو كامل فيمن معه من العرب وآل المسيب فنزلوا بمرج بابنيثا وبين الطائفتين نحو فرسخ واقتتلوا يوم السبت ثاني عشر المحرم وافترقوا من غير ظفر ثم اقتتلوا يوم الأحد كذلك ولم يلابس الحرب سليمان بن مروان بل كان ناحية ووافقه أبو الحسن الحميدي وساروا عن قرواش وفارقه جمع من العرب وقصدوا أخاه فضعف أمر قرواش وبقي في حلته وليس معه إلا نفر يسير فركب العرب من أصحابه أبي كامل لقصده فمنعهم وأسفر الصبح يوم الاثنين وقد تسرع بعضهم ونهب بعضًا من عرب قرواش وجاء أبو كامل إلى قرواش واجتمع به ونقله إلى حلته وأحسن عشرته ثم أنفذه إلى الموصل محجورًا عليه وجعل معه بعض زوجاته في دار‏.‏

وكان مما فت في عضد قرواش وأضعف نفسه أنه كان قد قبض على قوم من الصيادين بالأنبار لسوء طريقهم وفسادهم فهرب الباقون منهم وبقي بعضهم بالسندية فلما كان الآن سار جماعة منهم إلى الأنبار وتسلقوا السور ليلة خامس المحرم من هذه السنة وقتلوا حارسًا وفتحوا الباب ونادوا بشعار أبي كامل فانضاف إليهم أهلوهم وأصدقاؤهم ومن له هوى في أبي كامل فكثروا وثار بهم أصحاب قرواش فاقتتلوا فظفروا وقتلوا من أصحاب معتمد الدولة قرواش جماعة وهرب الباقون فبلغه خبر استيلاء أخيه ولم يبلغه عود أصحابه‏.‏

ثم إن المسيب وأمراء العرب كلفوا أبا كامل ما يعجز عنه واشتطوا عليه فخاف أن يؤول الأمر بهم إلى طاعة قرواش وإعادته إلى مملكته فبادرهم إليه وقبل يده وقال له‏:‏ إنني وإن كنت أخاك فإنني عبدك وما جرى هذا إلا بسبب من أفسد رأيك في وأشعرك الوحشة مني والآن فأنت الأمير وأنا الطائع لأمرك والتابع لك فقال له قرواش‏:‏ بل أنت الأخ والأمر لك مسلم وأنت أقوم به مني‏.‏

وصلح الحال بينهما وعاد قرواش إلى التصرف على حكم اختياره‏.‏

وكان أبو كامل قد أقطع بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا فلما اصطلح أبو كامل وقرواش أرسلا إلى حربى من منع بلالًا عنها فتظاهر بلال بالخلاف عليهما وجمع إلى نفسه جمعًا وقاتل أصحاب قرواش وأخذ حربى وأوانا بغير اختيارهما فانحدر قرواش من الموصل إليهما

  ذكر مسير الملك الرحيم إلى شيراز وعوده عنها

في هذه السنة في المحرم اسر الملك الرحيم من الأهواز إلى بلاد فارس فوصلها وخرج عسكر شيراز إلى خدمته ونزل بالقرب من شيراز ليدخل البلد‏.‏

ثم إن الأتراك الشيرازيين والبغداديين اختلفوا وجرى بينهم مناوشة استظهر فيها البغداديون وعادوا إلى العراق فاضطر الملك الرحيم إلى المسير معهم لأنه لم يكن يثق بالأتراك الشيرازية‏.‏

وكان ديلم بلاد فارس قد مالوا إلى أخيه فولاستون وهو بقلعة إصطخر فهو أيضًا منحرف عنهم فاضطر إلى صحبة البغداديين فعاد في ربيع الأول من هذه السنة إلى الأهواز وأقام بها واستخلف بأرجان أخويه أبا سعد وأبا طالب ووقع الخلف بفارس فإن الأمير أبا منصور فولاستون وكان قد خلص وصار بقلعة إصطخر واجتمع معه جماعة من أعيان العسكر الفارسي فلما عاد الملك الرحيم إلى الأهواز انبسط في البلاد وقصده كثير من العساكر واستولى على بلاد فارس ثم سار إلى أرجان عازمًا على قصد الأهواز وأخذها‏.‏

  ذكر الحرب بين البساسيري وعقيل

في هذه السنة سار جمع من بني عقيل إلى بلد العجم من أعمال العراق وبادوريا فنهبوهما وأخذوا من الأموال الكثير وكانا في إقطاع البساسيري فسار من بغداد بعد عوده من فارس إليهم فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل ابن المقلد واقتتلوا قتالًا شديدًا أبلى الفريقان فيه بلاء حسنًا وصبرا صبرًا جميلًا وقتل جماعة من الفريقين‏.‏

  ذكر الوحشة بين طغرلبك وأخيه إبراهيم ينال

في هذه السنة استوحش إبراهيم ينال من أخيه السلطان طغرلبك‏.‏

وكان سبب ذلك أن طغرلبك طلب من إبراهيم ينال أن يسلم إليه مدينة همذان والقلاع التي بيده من بلد الجبل فامتنع من ذلك واتهم وزيره أبا علي بالسعي بينهما في الفساد فقبض عليه وأمر فضرب بين يديه وسمل إحدى عينيه وقطع شفتيه وسار عن طغرلبك وجمع جمعًا من عسكره والتقيا وكان بين العسكرين قتال شديد انهزم ينال وعاد منهزمًا فسار طغرلبك في أثره فملك قلاعه وبلاده جميعها‏.‏

وتحصن إبراهيم ينال بقلعة سرماج وامتنع على أخيه فحصره طغرلبك فيها وكانت عساكره قد بلغت مائة ألف من أنواع العسكر وقاتله فملكها في أربعة أيام وهي من أحصن القلاع وأمنعها واستنزل ينال منها مقهورًا وأرسل إلى نصر الدولة بن مروان يطلب منه إقامة الخطبة له في بلاده فأطاعه وخطب له في سائر ديار بكر وراسل ملك الروم طغرلبك وأرسل إليه هدية عظيمة وطلب منه المعاهدة فأجابه إلى ذلك‏.‏

وأرسل ملك الروم إلى ابن مروان يسأله أن يسعى في فداء ملك الأبخاز المقدم ذكره فأرسل نصر الدولة شيخ الإسلام أبا عبد الله بن مروان في المعنى إلى السلطان طغرلبك فأطلقه بغير فداء فعظم ذلك عنده وعند ملك الروم وأرسل عوضه من الهدايا شيئًا كثيرًا وعمروا مسجد القسطنطينية وأقاموا فيه الصلاة والخطبة لطغرلبك ودان حينئذ الناس كلهم له وعظم شأنه وتمكن ملكه وثبت‏.‏

ولما نزل ينال إلى طغرلبك أكرمه وأحسن إليه ورد عليه كثيرًا مما أخذ منه وخيره بين أن يقطعه بلادًا يسير إليها وبين أن يقيم معه فاختار المقام معه‏.‏

  ذكر الحرب بين دبيس بن مزيد وعسكر واسط

في هذه السنة كانت حرب شديدة بين نور الدولة دبيس بن مزيد وبين الأتراك الواسطيين‏.‏

وسبب ذلك أن الملك الرحيم أقطع نور الدولة حماية نهر الصلة ونهر الفضل وهما من إقطاع الواسطيين فسار إليهما ووليهما فسمع عسكر واسط ذلك فسخطوه واجتمعوا وساروا إلى نور الدولة ليقاتلوه ويدفعوه عنهما وأرسلوا إليه يتهددونه فأعاد الجواب يقول‏:‏ إن الملك أقطعني هذا فنرسل إليه أنا وأنتم فبأي شيء أمر رضينا به‏.‏

فسبوه وساروا مجدين إليه فأرسل إلى طريقهم طائفة من عسكره فلقوهم وكمن لهم فلما التقوا استجرهم العرب إلى أن جاوزوا الكمين وخرج عليهم الكمين فأوقعوا بهم وقتلوا منهم جماعة كثيرة وأسروا كثيرًا وجرح مثلهم وتمت الهزيمة على الواسطيين وغنم نور الدولة أموالهم ودوابهم وساروا إلى واسط فنزلوا بالقرب منها‏.‏

وأرسل الواسطيون إلى بغداد يستنجدون جندها ويبذلون للبساسيري أن يدفع عنهم نور الدولة ويأخذ نهر الصلة ونهر الفضل لنفسه‏.‏

  ذكر وفاة مودود بن مسعود وملك عمه عبد الرشيد

في هذه السنة في العشرين من رجب توفي أبو الفتح مودود بن مسعود ابن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وعمره تسع وعشرون سنة وملكه تسع سنين وعشرة أشهر وكان موته بغزنة وكان قد كاتب أصحاب الأطراف في سائر البلاد ودعاهم إلى نصرته وإمداده بالعساكر وبذل لهم الأموال الكثيرة وتفويض أعمال خراسان ونواحيها إليهم على قدر مراتبهم فأجابوا إلى ذلك منهم أبو كاليجار صاحب أصبهان فإنه جمع عساكره وسار في المفازة فهلك كثير من عسكره ومرض وعاد‏.‏

ومنهم خاقان ملك الترك فإنه سار إلى ترمذ ونهب وخرب وصادر أهل تلك الأعمال وسارت طائفة أخرى مما وراء النهر إلى خوارزم‏.‏

وسار مودود من غزنة فلم يسر غير مرحلة واحدة حتى عارضه قولنج اشتد عليه فعاد إلى غزنة مريضًا وسير وزيره أبا الفتح عبد الرزاق بن أحمد الميمندي إلى سجستان في جيش كثيف لأخذها من الغز واشتدت العلة بمودود فتوفي وقام في الملك بعده ولده فبقي خمسة أيام ثم عدل الناس عنه إلى عمه علي بن مسعود وكان مودود لما ملك قبض على عمه عبد الرشيد ابن محمود وسجنه في قلعة ميدين بطريق بست فلما توفي كان وزيره قد قارب هذه القلعة فنزل عبد الرشيد إلى العسكر ودعاهم إلى طاعته فأجابوه وعادوا معه إلى غزنة فلما قاربها هرب عنها علي بن مسعود وملك عبد الرشيد واستقر الأمر له ولقب شمس دين الله سيف الدولة وقيل جمال الدولة ودفع الله شر مودود عن داود وهذه السعادة التي تقتل الأعداء بغير

  ذكر استيلاء البساسيري على الأنبار

في هذه السنة أيضًا في ذي القعدة ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه‏.‏

وكان سبب ملكها أن قرواشًا أساء السيرة في أهلها ومد يده إلى أموالهم فسار جماعة من أهلها إلى البساسيري ببغداد وسألوه أن ينفذ معهم عسكرًا يسلمون إليه الأنبار فأجابهم إلى ذلك وسير معهم جيشًا فتسلموا الأنبار ولحقهم البساسيري وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم ولم يمكن أحدًا من أصحابه أن يأخذ رطل الخبز بغير ثمنه وأقام فيها إلى أن أصلح حالها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد‏.‏

  ذكر انهزام الملك الرحيم من عسكر فارس

في هذه السنة عاد الملك الرحيم من الأهواز إلى رامهرمز في ذي القعدة فلما وصل إلى وادي الملح لقيه عسكر فارس واقتتلوا قتالًا شديدًا فغدر بالملك الرحيم بعض عسكره وانهزم هو وجميع العسكر ووصل إلى بصنى ومعه أخوه أبو سعد وأبو طالب وسار منها إلى واسط وسار عسكر فارس إلى الأهواز فملكوها وخيموا بظاهرها‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها وصل عسكر من مصر إلى حلب وبها صاحبها ثمال بن صالح بن مرداس فخالفهم لكثرتهم فانصرف عنها فملكها المصريون‏.‏

وفيها في ذي القعدة ارتفعت سحابة سوداء مظلمة ليلًا‏!‏ فزادت ظلمتها على ظلمة الليل وظهر في جوانب السماء كالنار المضطرمة وهبت معها ريح شديدة قلعت رواشن دار الخليفة وشاهد الناس من ذلك ما أزعجهم وخوفهم فلزموا الدعاء والتضرع فانكشفت في باقي الليل‏.‏

وفيها في شعبان سار البساسيري من بغداد إلى طريق خراسان وقصد ناحية الدزدار وملكها وغنم ما فيها وكان سعدي بن أبي الشوك قد ملكها وقد عمل لها سورًا وحصنها وجعلها معقلًا يتحصن فيه ويدخر بها كل ما يغنمه فأخذه البساسيري جميعه‏.‏

وفيها منع أهل الكرخ من النوح وفعل ما جرت عادتهم بفعله يوم عاشوراء فلم يقبلوا وفعلوا ذلك فجرى بينهم وبين السنة فتنة عظيمة قتل فيها وجرح كثير من الناس ولم ينفصل الشر بينهم حتى عبر الأتراك وضربوا خيامهم عندهم فكفوا حينئذ ثم شرع أهل الكرخ في بناء سور على الكرخ فلما رآهم السنة من القلائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلائين وأخرج الطائفتان في العمارة مالًا جليلًا وجرت بينهما فتن كثيرة وبطلت الأسواق

وزاد الشر حتى انتقل كثير من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي فأقاموا به وتقدم الخليفة إلى أبي محمد بن النسوي بالعبور وإصلاح الحال وكف الشر فسمع أهل الجانب الغربي ذلك فاجتمع السنة والشيعة على المنع منه وأذنوا في القلائين وغيرها بحي على خير العمل وأذنوا في الكرخ‏:‏ الصلاة خير من النوم وأظهروا الترحم على الصحابة فبطل عبوره‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ كان إمامًا صحب عبد الغني بن سعيد وتخرج به ومن تلامذته الخطيب أبو بكر‏.‏

وفيها توفي الملك العزيز أبو بكر منصور بن جلال الدولة وقد ذكرنا تنقل الأحوال به فيما تقدم وله شعر حسن‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن العتيقي نسب إلى جد له يسمى عتيقًا ومولده سنة سبع وستين وثلاثمائة‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم عبد الوهاب ابن أقضى القضاة أبي الحسن الماوردي وكانت شهادته سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وقبلها القاضي في بيت النوبة ولم يفعل ذلك مع غيره وإنما فعل معه هذا احترامًا لأبيه‏.‏

  ذكر ملك طغرلبك أصبهان

كان أبو منصور بن علاء الدولة صاحب أصبهان غير ثابت على طريقة واحدة مع السلطان طغرلبك كان يكثر التلون معه تارة يطيعه وينحاز إليه وتارة ينحرف عنه ويطيع الملك الرحيم فأضمر له طغرلبك سوءًا فلما عاد هذه الدفعة من خراسان لأخذ البلاد الجبلية من أخيه إبراهيم ينال واستولى عليها على ما ذكرناه عدل إلى أصبهان عازمًا على أخذها من أبي منصور فسمع ذلك فتحصن ببلده واحتمى بأسواره ونازله طغرلبك في المحرم وأقام على محاصرته نحو سنة وكثرت الحروب بينهما إلا أن طغرلبك قد استولى على سواد البلد وأرسل سرية من عسكره نحو فارس فبلغوا إلى البيضاء فأغاروا على السواد هناك وعادوا غانمين‏.‏

ولما طال الحصار على أصبهان وأخرب أعمالها ضاق الأمر بصاحبها وأهلها وأرسلوا إليه يبذلون له الطاعة والمال فلم يجبهم إلى ذلك ولم يقنع منهم إلا بتسليم البلد فصبروا حتى نفدت الأقوات وامتنع الصبر وانقطعت المواد واضطر الناس حتى نقضوا الجامع وأخذوا أخشابه لشدة الحاجة إلى الحطب فحيث بلغ بهم الحال إلى هذا الحد خضعوا له واستكانوا وسلموا

البلد إليه فدخله وأخرج أجناده منه وأقطعهم في بلاد الجبل وأحسن إلى الرعية وأقطع صاحبها أبا منصور ناحيتي يزد وأبرقوية وتمكن من أصبهان ودخلها في المحرم من سنة ثلاث وأربعين واستطابها ونقل ما كان له بالري من مال وذخائر وسلاح إليها وجعلها دار مقامه وخرب قطعة من سورها وقال‏:‏ وإنما يحتاج إلى الأسوار من تضعف قوته فأما من حصنه عساكره وسيفه فلا حاجة به إليها‏.‏

  ذكر عود عساكر فارس من الأهواز وعود الرحيم إليها

في هذه السنة في المحرم عادت عساكر فارس التي مع الأمير أبي منصور صاحبها عن الأهواز إلى فارس‏.‏

وسبب هذا العود أن الأجناد اختلفوا وشغبوا واستطالوا وعاد بعضهم إلى فارس بغير أمر صاحبهم وأقام بعضهم معه وسار بعضهم إلى الملك الرحيم وهو بالأهواز يطلبونه ليعود إليهم فعاد فيمن عنده من العساكر وأرسل إلى بغداد يأمر العساكر التي فيها بالحضور عنده ليسير بهم إلى فارس فلما وصل إلى الأهواز لقيه العساكر مقرين بالطاعة وأخبروه بطاعة

عساكر فارس وأنهم ينتظرون قدومه فدخل الأهواز في شهر ربيع الآخر فتوقف بالأهواز ينتظر عساكر بغداد ثم سار عنها إلى عسكر مكرم فملكها وأقام بها‏.‏

  ذكر استيلاء زعيم الدولة على مملكة أخيه قرواش

في هذه السنة في جمادى الأولى استولى زعيم الدولة أبو كامل بركة ابن المقلد على أخيه قرواش وحجر عليه ومنعه من التصرف على اختياره‏.‏

وسبب ذلك أن قرواشًا كان قد أنف من تحكم أخيه في البلاد وأنه قد صار لا حكم له فعمل على الانحدار إلى بغداد ومفارقة أخيه وسار عن الموصل فشق ذلك على بركة وعظم عنده‏.‏

ثم أرسل إليه نفرًا من أعيان يشيرون عليه بالعود واجتماع الكلمة ويحذرونه من الفرقة والاختلاف فلما بلغوه ذلك امتنع عليهم فقالوا‏:‏ أنت ممنوع عن فعلك والرأي لك القبول والعود ما دامت الرغبة إليك فعلم حينئذ أنه يمنع قهرًا فأجاب إلى العود على شرط أن يسكن دار الإمارة بالموصل وسار معهم فلما قارب حلة أخيه زعيم الدولة لقيه وأنزله عنده فهرب أصحابه وأهله خوفًا فأمنهم زعيم الدولة وحضر عنده وخدمه وأظهر له الخدمة وجعل عليه

  ذكر استيلاء الغز على مدينة فسا

وفيها في جمادى الأولى سار الملك ألب أرسلان بن داود أخي طغرلبك من مدينة مرو بخراسان وقصد بلاد فارس في المفازة فلم يعلم به أحد ولا أعلم عمه طغرلبك فوصل إلى مدينة فسا فانصرف النائب بها من بين يديه ودخلها ألب أرسلان فقتل من الديلم بها ألف رجل وعددًا كثيرًا من العامة ونهبوا ما قدره ألف ألف دينار وأسروا ثلاثة آلاف إنسان وكان الأمر عظيمًا‏.‏

فلما فرغوا من ذلك عادوا إلى خراسان ولم يلبثوا خوفًا من طغرلبك أن يرسل إليهم ويأخذ ما غنموه منهم‏.‏

  ذكر استيلاء الخوارج على عمان

في هذه السنة استولى الخوارج المقيمون بجبال عمان على مدينة تلك الولاية‏.‏

وسبب ذلك أن صاحبها الأمير أبا المظفر ابن الملك أبي كاليجار كان مقيمًا بها ومعه خادم له قد استولى على الأمور وحكم على البلاد وأساء السيرة في أهلها فأخذ أموالهم فنفروا منه وأبغضوه‏.‏

وعرف إنسان من الخوارج يقال له ابن راشد الحال فجمع من عنده منهم فقصد المدينة فخرج وأقام ابن راشد مدة يجمع ويحتشد ثم سار ثانيًا وقاتله الديلم فأعانه أهل البلد لسوء سيرة الديلم فيهم فانهزم الديلم وملك ابن راشد البلد وقتل الخادم وكثيرًا من الديلم وقبض على الأمير أبي المظفر وسيره إلى جباله مستظهرًا عليه وسجن معه كل من خط بقلم من الديلم وأصحاب الأعمال وأخرب دار الإمارة وقال‏:‏ هذه أحق دار بالخراب‏!‏ وأظهر العدل وأسقط المكوس واقتصر على رفع عشر ما يرد إليهم وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله ولبس الصوف وبنى موضعًا على شكل مسجد وقد كان هذا الرجل تحرك أيضًا أيام أبي القاسم بن مكرم فسير إليه أبو القاسم من منعه وحصره وأزال طمعه‏.‏

  ذكر دخول العرب إلى إفريقية

في هذه السنة دخلت العرب إلى إفريقية‏.‏

وسبب ذلك أن المعز بن باديس كان خطب للقائم بأمر الله الخليفة العباسي وقطع خطبة المستنصر العلوي صاحب مصر سنة أربعين وأربعمائة فلما فعل ذلك كتب إليه المستنصر العلوي يتهدده فأغلظ المعز في الجواب‏.‏

ثم إن المستنصر استوزر الحسن بن علي اليازوري ولم يكن من أهل الوزارة إنما كان من أهل التبانة والفلاحة فلم يخاطبه المعز كما كان يخاطب من قبله من الوزراء كان يخاطبهم بعبده فخاطب اليازوري بصنيعته فعظم ذلك عليه فعاتبه فلم يرجع إلى ما يحب فأكثر الوقيعة في المعز وأغرى به المستنصر وشرعوا في إرسال العرب إلى الغرب فأصلحوا بني زغبة ورياح وكان بينهم حروب وحقود وأعطوهم مالًا وأمروهم بقصد بلاد القيروان وملكوهم كل ما يفتحونه ووعدوهم بالمدد والعدد‏.‏

فدخلت العرب إلى إفريقية وكتب اليازوري إلى المعز‏:‏ أما بعد فقد أرسلنا إليكم خيولًا فحولًا‏.‏

وحملنا عليها رجالًا كهولًا‏.‏

ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا‏.‏

فلما حلوا أرض برقة وما والاها وجدوا بلادًا كثيرة المرعى خالية من الأهل لأن زناتة كانوا أهلها فأبادهم المعز فأقامت العرب بها واستوطنتها وعاثوا في أطراف البلاد‏.‏

وبلغ ذلك المعز فاحتقرهم وكان المعز لما رأى تقاعد صنهاجة عن قتال زناتة اشترى العبيد وأوسع لهم في العطاء فاجتمع له ثلاثون ألف مملوك‏.‏

وكانت عرب زغبة قد ملكت مدينة طرابلس سنة ست وأربعين فتتابعت رياح والأثبج وبنو عدي إلى إفريقية وقطعوا السبيل وعاثوا في الأرض وأرادوا الوصول إلى القيروان فقال مؤنس بن يحيى المرداسي‏:‏ ليس المبادرة عندي برأي فقالوا‏:‏ كيف تحب أن تصنع فأخذ بساطًا فبسطه ثم قال لهم‏:‏ من يدخل إلى وسط البساط من غير أن يمشي عليه قالوا‏:‏ لا نقدر على ذلك‏!‏ قال‏:‏ فهكذا القيروان خذوا شيئًا فشيئًا حتى لا يبقى إلا القيروان فخذوها حينئذ‏.‏

فقالوا‏:‏ إنك لشيخ العرب وأميرها وأنت المقدم علينا ولسنا نقطع أمرًا دونك‏.‏

ثم قدم أمراء العرب إلى المعز فأكرمهم وبذل لهم شيئًا كثيرًا فلما خرجوا من عنده لم يجاوزه بما فعل من الإحسان بل شنوا الغارات وقطعوا الطريق وأفسدوا الزروع وقطعوا الثمار وحاصروا المدن فضاق بالناس الأمر وساءت أحوالهم وانقطعت أسفارهم ونزل بإفريقية بلاء لم ينزل بها مثله قط فحينئذ احتفل المعز وجمع عساكره فكانوا ثلاثين ألف فارس ومثلها رجالة وسار حتى أتى جندران وهو جبل بينه وبين القيروان ثلاثة أيام وكانت عدة العرب ثلاثة آلاف فارس فلما رأت العرب عساكر صنهاجة والعبيد مع المعز هالهم ذلك وعظم عليهم فقال لهم مؤنس بن يحيى‏:‏ ما هذا يوم فرار فقالوا‏:‏ أين نطعن هؤلاء وقد لبسوا الكزاغندات والمغافر قال‏:‏ في أعينهم فسمي ذلك اليوم يوم العين‏.‏

والتحم القتال واشتدت الحرب فاتفقت صنهاجة على الهزيمة وترك المعز مع العبيد حتى يرى فعلهم ويقتل أكثرهم فعند ذلك يرجعون على العرب فانهزمت صنهاجة وثبت العبيد مع المعز فكثر القتل فيهم فقتل منهم خلق كثير وأرادت صنهاجة الرجوع على العرب فلم يمكنهم ذلك واستمرت الهزيمة وقتل من صنهاجة أمة عظيمة ودخل المعز القيروان مهزومًا على كثرة

وإن ابن باديس لأفضل مالك ولكن لعمري ما لديه رجال ثلاثون ألفًا منهم غلبتهم ثلاثة ألف إن ذا لمحال ولما كان يوم النحر من هذه السنة جمع المعز سبعة وعشرين ألف فارس وسار إلى العرب جريدة وسبق خبره وهجم عليهم وهم في صلاة العيد فركبت العرب خيولهم وحملت فانهزمت صنهاجة فقتل منهم عالم كثير‏.‏

ثم جمع المعز وخرج بنفسه في صنهاجة وزناتة في جميع كثير فلما أشرف على بيوت العرب وهو قبلي جبل جندران انتشب القتال واشتعلت نيران الحرب وكانت العرب سبعة آلاف فارس فانهزمت صنهاجة وولى كل رجل منهم إلى منزله وانهزمت زناتة وثبت المعز فيمن معه من عبيده ثباتًا عظيمًا لم يسمع بمثله ثم انهزم وعاد إلى المنصورية وأحصي من قتل من صنهاجة ذلك اليوم فكانوا ثلاثة آلاف وثلاثمائة‏.‏

ثم أقبلت العرب حتى نزلت بمصلى القيروان ووقعت الحرب فقتل من المنصورية ورقادة خلق كثير فلما رأى ذلك المعز أباحهم دخول القيروان لما يحتاجون إليه من بيع وشراء فلما دخلوا استطالت عليهم العامة ووقعت بينهم حرب كان سببها فتنة بين إنسان عربي وآخر عامي وكانت الغلبة للعرب‏.‏

وفي سنة أربع وأربعين بني سور زويلة والقيروان وفي سنة ست وأربعين حاصرت العرب القيروان وملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة وأشار المعز على الرعية بالانتقال إلى المهدية لعجزه عن حمايتهم من العرب‏.‏

وشرعت العرب في هدم الحصون والقصور وقطعوا الثمار وخربوا الأنهار وأقام المعز والناس ينتقلون إلى المهدية إلى سنة تسع وأربعين فعندها انتقل المعز إلى المهدية في شعبان فتلقاه ابنه تميم ومشى بين يديه وكان أبوه قد ولاه المهدية سنة خمس وأربعين فأقام بها إلى أن قدم أبوه الآن‏.‏

وفي رمضان من سنة تسع وأربعين نهبت العرب القيروان‏.‏

وفي سنة خمسين خرج بلكين ومعه العرب لحرب زناتة فقاتلهم فانهزمت زناتة وقتل منها عدد كثير‏.‏

وفي سنة ثلاث وخمسين وقعت الحرب بين العرب وهوارة فانهزمت هوارة وقتل منها الكثير‏.‏

وفي سنة ثلاث وخمسين قتل أهل تقيوس من العرب مائتين وخمسين رجلًا وسبب ذلك أن العرب دخلت المدينة متسوقة فقتل رجل من العرب رجلًا متقدمًا من أهل البلد لأنه سمعه يثني على المعز ويدعو له فلما قتل ثار أهل البلد بالعرب فقتلوه منهم العدد المذكور‏.‏

وكان ينبغي أن يأتي كل شيء من ذلك في السنة التي حدث فيها وإنما أوردناه متتابعًا ليكون أحسن لسياقته فإنه إذا انقطع وتخللته الحوادث في السنين لم يفهم‏.‏